ورزازات ... هوليود أفريقيا بلا ضجيج
يسمونها هوليود افريقيا. ولا مبالغة في ذلك، فخلال العشرين شهرا الماضية، شهدت ورزازات تصوير 37 شريطا طويلا و106 شريطا قصيرا، و74 شريطا وثائقيا، و29 وصلة اشهارية، و24 أغنية مصورة. وهي أرقام خاصة بالانتاج الأجنبي، الذي يدر على البلاد أكثر من 200 مليون دولار سنويا، مع احداث المئات من مناصب الشغل في مختلف التخصصات الفنية والتقنية، والمساهمة في تحقيق الرواج التجاري والسياحي، في هذه المنطقة.
* عند مفترق الطرق
* ورزازات عبارة أمازيغية مركبة من كلمتين، «وار» وتعني دون، و«زازات» وتعني الضجيج. هكذا اختار أهل المنطقة أن يطلقوا هذه التسمية التي تعني «دون ضجيج» على هذه المدينة التي بنيت انطلاقا من عام 1920 حول ثكنة عسكرية أقامتها سلطات الحماية الفرنسية عند مفترق الطرق المؤدية الى واحات وادي درعة ومنها الى الصحراء الغربية من جهة، وواحات وادي زيز ومنها الى الصحراء الشرقية من جهة أخرى. وظلت هذه المدينة الهادئة، المقامة على ضفة وادي زات، مثالا للمنطقة النائية التي تفتقد أبسط الضروريات، كما تعكس ذلك مقولة شعبية يتنذر بها أبناء المنطقة «الله يحفظك من ذئاب تاغات، وبرد تلوات، وجوع ورزازات» (تاغات وتلوات منطقتان جبليتان).
لكن هيهات. فالخصائص الطبيعية لمحافظة ورزازات، التي تحمل اسم هذه المدينة، والتي تمتد على مساحة شاسعة تفوق مساحة بلجيكا وهولندا واللوكسمبورغ مجتمعة، جعلتها ذات جذب سياحي لا يقاوم. حتى أن كثيرا من الغربيين، يعتبرون طنجة والرباط والدار البيضاء، وحتى فاس ومراكش، مدنا شبيهة بنظيرتها الأوروبية، وان القارة الافريقية، التي تثير فضولهم، تبدأ انطلاقا من ورزازات. وهناك رحلات «شارتر» تربط مجموعة من الدول الأوروبية بورزازات مباشرة، ذهابا وايابا.
* أرض المتناقضات
* وتتميز هذه المنطقة باختصارها الفريد لمتناقضات المغرب. فهي تضم في وقت واحد، الثلوج التي تعمم هامات الجبال، وكثبان الرمال. والفيافي الجرداء، والواحات الخضراء. والمنابع التي لا تنضب، والأودية الجافة وأشهرها وادي العطش. كما أنها أرض الزراعات الخاصة التي تكاد لا تنبت، في المغرب كله، الا في هذه المنطقة شبه الصحراوية، مثل النخيل والحناء والزعفران الحر والورد البلدي.
هذا التميز المتنوع في الطبيعة العذراء، وفي أزياء المنطقة وأهازيجها ومعمارها ونمط العيش بها، كان له تأثير كبير في جعلها حاضرة السياحة الجبلية والصحراوية في البلاد. وهو كذلك، دون شك، سبب اقبال السينمائيين العالميين الذين جعلوا منها «هوليود أفريقيا».
* جزء من تاريخ السينما
* قبل أكثر من 100 عام تم تصوير أول فيلم سينمائي في المغرب وكان بعنوان «لو شيفريي ماروكان» (راعي الماعز المغربي) الذي أنتجه مؤسس الفن السينمائي، الفرنسي لويس لوميير عام 1897، وكان من بين أول التجارب السينمائية في العالم. وتوالت بعده الأفلام الدولية التي اختار منتجوها أرض المغرب فضاء للتصوير. ومنذ 1922 استضافت ورزازات فريق تصوير فرنسي بقيادة المخرج لويتز مورا، الذي صور شريط «الدم»، تلاه فريق ثان بقيادة المخرج فرانز توسان الذي صور «ان شاء الله».
وفي عام 1927 انتهى احتكار السينما الفرنسية لهذه المنطقة، حيث شهد هذا العام تصوير الشريط الألماني «عندما تعود السنونو الى أعشاشها» لجيمس بوير. ولم تتأخر السينما الأميركية في اكتشاف مفاتن ورزازات التي استضافت عام 1930 تصوير «قلوب محترقة» لجوزيف فون ستيرنبيرغ، وهو من بطولة مارلين ديتريش وغاري كوبر. والتحقت السينما البريطانية بالركب منذ 1938 بتصوير «قافلة الصحراء» لثورتون فريلاند. واذا كانت تلك الأفلام أقرب ما تكون الى حالات الاستثناء، فان درجة اقبال السينمائيين العالميين على ورزازات ارتفعت وتنوعت بعد الحرب العالمية الثانية، لتتأسس قاعدة جديدة. فاحتضنت ورزازات أفلاما فرنسية وأميركية واسبانية وايطالية وهولندية وسويدية وبلجيكية، بل وحتى أفلاما من كوريا الجنوبية وجنوب افريقيا وكوبا والبرازيل.
وبعد توقف اضطراري نجم عن الأزمة التي خلفتها أحداث 11 سبتمبر (ايلول) 2001، استأنفت استوديوهات ورزازات نشاطها بإيقاع مرتفع، اذ أن مجموعة من الأفلام التلفزيونية توجد حاليا في طور الانجاز، في وقت يتوالى فيه تصوير مجموعة من الأعمال السينمائية الضخمة، مثل «هيدالكو» لشركة «والت ديزني»، و«تريبولي» للمخرج العالمي ريدلي سكوت، و«الكسندر المقدوني» للوغرون دو باز لوهرمان، اضافة الى «الايغزورسيست 3».
* مروا من هنا
* وهكذا تتوالى أسماء النجوم الدولية، منتجين ومخرجين وممثلين، من سيرج ريجياني، وفيرنانديل، الى ألفريد هيتشكوك، وسيرجيو ليوني، وديفيد لين، وأنتوني كوين، وعمر الشريف، وأنا كارينا، وأنتونيو فيلار، وجان لوك غودار، وبيرناردو بيرتولوتشي، وجان بول بلموندو، ولينو فونتيرا، وجون هوستون، وشين كونري، وداستن هوفمان، وايزابيل أدجاني، وروجي مور، ومايكل دوغلاس، وتيموثي دالتون، ومارتن سكورسيزي، وجاكي شان، وريدلي سكوت، وجان كلود فان دام... كلهم مروا من هنا.
* اغراءات ورزازات
* علاوة على الانارة الطبيعية الممتازة، التي تتميز بها المنطقة، يؤكد أهل الميدان في عين المكان، أن السر في اقبال المنتجين الأجانب على ورزازات يرجع الى ثلاثة أسباب أساسية، أولها الديكورات الطبيعية المتنوعة والمتميزة التي تزخر بها المنطقة. وثانيها التشجيعات الادارية والتسهيلات المالية التي تقدمها السلطات الرسمية، والتي تمكن من تخفيض كلفة الانتاج ما بين 30 و40 في المائة مقارنة مع تكاليف تصويره في أوروبا أو الولايات المتحدة. وثالثها الخبرة التي توفرها المؤسسات المحلية المتخصصة في تقديم الخدمات الانتاجية المختلفة والتي أصبحت تضم مهارات محنكة. ويتوقع المتتبعون أن تستفيد السينما المغربية من تعدد وتنوع الأفلام الدولية التي يجري تصويرها هنا، وخاصة على المستويات الفنية، ذلك أن مصادر المركز السينمائي المغربي تؤكد أن حوالي 1500 فني مغربي من مختلف التخصصات يشاركون سنويا في الأفلام العالمية التي يتم تصويرها بهذه المنطقة. كما تقوم مجموعة من الممثلين المغاربة بأداء أدوار ثانوية في هذه الأعمال الدولية، اضافة الى حوالي 16 ألف مغربي أسندت لهم أدوار كومبارس خلال العام الماضي. وفي الفيلم الدولي «لي جاردن ديدن» (حدائق الجنة) الذي صورته احدى الشركات الايطالية قبل أربعة أعوام في ورزازات، أسندت كافة الأدوار لممثلين مغاربة باستثناء الدور الأول. كما أن الانتاج السينمائي الأجنبي في منطقة ورزازات يدر على البلاد مردودا هاما بالعملة الصعبة، ففي الموسم الفني الماضي استثمرت شركات الانتاج العالمية في ورزازات أكثر من 200 مليون دولار.
* «كان زمان»
* يجري تشييد استوديوهات «كان زمان» على مساحة 60 هكتارا، على بعد 10 كيلومترات من مدينة ورزازات. وقد انتهت أشغال الجزء الأول على 5300 متر مربع مغطاة، تضم مكاتب لادارة الانتاج ومعامل وقاعات للتوضيب (المونتاج) ومخازن وقاعات لاستراحة الفنانين، اضافة لمعارض ومتاجر ومقاه ومطاعم وملاعب ووحدة فندقية على النمط التقليدي، ومركز للتكوين السينمائي. ويشمل هذا المشروع أربعة استوديوهات وسط النخيل وأشجار اللوز والزيتون.
وفيما يتوقع أن تتعزز هذه التجهيزات قريبا بتشييد استوديوهات جديدة يعطي انطلاقتها المنتج الايطالي الأميركي دينو دو لورانتيس، تتحدث بعض المصادر عن مشروع قديم ـ جديد لاستوديوهات ضخمة يقيمها مخرج عالمي بهذه المنطقة. كما تجري الاستعدادات لمشروع مهرجان دولي متميز، لفيلم الهواء الطلق، ينتظر الاعلان عنه خلال الأشهر القلية المقبلة.
* أستر
* في جانب من بناية تقليدية تم بناؤها لاحتضان أنشطة الصناعة التقليدية، أقيمت استوديوهات «أستر» عام 1992 قبالة قصبة سيدي داوود التاريخية. في موقع تصوير شريط «جوهرة النيل». وقد احتضنت تصوير سلسلة «لو بيبل» (التوراة) التلفزيونية التي أنتجتها شركتا «أستر» الايطالية و«تي اين تي» الأميركية.
* استوديوهات ورزازات
* رغم أن اللبنات الأولى تعود لعام 1983، فان التأسيس الفعلي لاستوديوهات أطلس، في مدخل مدينة ورزازات، تم عام 1993، على مساحة خمسة هكتارات. وسرعان ما تم توسيع المشروع الذي يغطي اليوم 30 هكتارا. وهو مفتوح على فضاء شاسع يشمل مناظر جبلية ساحرة. ويضم معامل للمهن السينمائية، من خياطة ونجارة وصباغة وماكياج وجبص ونقش، ومؤثرات فنية، ومواقع للمتفجرات، واصطبلات لمئات الخيول والجمال، ومكاتب لادارة الانتاج، وثلاثة استوديوهات للتصوير (مابين 750 متر مربع وثلاثة آلاف متر مربع) اضافة الى وحدة فندقية مصنفة أربع نجوم بكافة مرافقها الضرورية.
في هذه الاستوديوهات تم تصوير «جوهرة النيل» لمايكل دوغلاس، وما تزال طائرته رابضة هناك تشكل جزءا من ديكورات المكان. كما تم تصوير شريط «كوندون» للمخرج الأميركي مارتن سكورسيزي، وهو ما اقتضى بناء قصر حاكم التيبت الذي لا يزال قائما. وشريط «كليوباترا» للمخرج فرانك رودام وبطولة تيموتي دالتون، الذي ترك سفينته هناك. و«غلادياتور» (المصارع) للمخرج ريدلي سكوت. و«أستريكس وأوبليكس» للمخرج الفرنسي آلان شابات.