[color=blue]انتماء فلسطين
[ 27/12/2006 - 03:10 م ]
الجزيرة نت
عرض/عوض الرجوب
يتحدث المؤلف جواد بحر النتشة في كتابه "انتماء فلسطين.. بين دعاوى التوراتيين وحقائق الماضي والحاضر" عن ادعاءات التوراتيين بشأن أحقيتهم في أرض فلسطين، ويرد عليها من حقائق الماضي والحاضر، منتهيا إلى أن فلسطين أرض عربية إسلامية ولا أحقية لليهود فيها.
ويرى الباحث أن الصراع على أرض فلسطين بين طرفين، الأول إسلامي يمثله العرب والمسلمون، والثاني يهودي يستند إلى التوراة وتتبناه دولة أطلقت على نفسها اسم إسرائيل.
أهمية الكتاب
يجيب الكتاب على جملة من التساؤلات بشأن أرض فلسطين في الماضي والحاضر، منها ماذا قالت فلسطين وماذا قالت فلسفة الحق؟ وعم تحدث التاريخ؟ وماذا قذفت الأرض من شواهد في معمعان لا يصلح له إلا صدق الدعوى وجديتها وعلميتها؟ وإلى أي الأمتين تنتمي فلسطين؟ وهل ثمة محاولة تزوير تريد أن تلوي عنق الحقيقة وأن تقول الأرض غير ما تحب أن تقول هي؟
ويجزم الكاتب بأن جزءا كبيرا من مشكلة الحق في هذا الوطن تتعلق بضعف الإمكانيات وتراجع القدرات وقلة المتخصصين والأثريين العرب، الذين حملهم المسؤولية عن تجلية حقيقة التاريخ الفلسطيني.
ويضيف أن جزءا آخر من المشكلة يتعلق بالأنظمة العربية التي تبذل الكثير من المؤتمرات غير ذات النتيجة وتترك قضية هي محور الصراع في هذه المنطقة دون أن تبذل لأجلها في مجالات الفكر والآثار والتاريخ المتعلقة بها البذل الكافي.
صراع حول الماضي
في الباب الأول ومن خلال فصلين اثنين يتناول المؤلف الصراع حول الماضي الفلسطيني، محاولا الكشف عن المؤامرة على التاريخ الفلسطيني القديم وعلى الحضارة الفلسطينية حين أعطى العقل الغربي لنفسه الحق في سرقة فلسطين القديمة، بهدف تجريدها من ماضيها العربي وتحويل هذا التاريخ إلى ناطق يهودي توراتي.
ويقصد الكاتب بتجريد فلسطين من الماضي العربي ما فعله اليهود والبروتستانت معا ومعهم كثير من أذيال اليهود، من تزوير يتعلق بالماضي الفلسطيني أو بالماضي الحضاري الفلسطيني.
وفي استعراضه لادعاء السبق الحضاري اليهودي في فلسطين، يرد على الرؤية اليهودية القائمة على انتزاع المعنى الحضاري لفلسطين القديمة ونسبة الحضارة الفلسطينية القديمة إلى اليهود وحدهم.
وأشار إلى أن الوجود الحضاري الفلسطيني القديم ذو وجود ثانوي أو هو غير موجود أصلا حسب الرؤية اليهودية، لكنه يرد بأن الإسرائيليين هم الذين لم يكونوا في يوم من الأيام سابقين حضاريين في فلسطين، بل إنهم صادفوا حضارة أنكرتها أجيالهم الآتية من بعدهم، ذلك أن مُنشئي الحضارة الأوائل في فلسطين هم الكنعانيون.
ويؤكد المؤلف أن الصراع على فلسطين القديمة لا يقل أهمية عن الصراع على فلسطين المعاصرة، لأن إثبات هوية أولاهما يؤثر تلقائيا على هوية الثانية.
وأوضح أن تجريد فلسطين الماضية من تاريخها وتجريد الفلسطينيين الماضيين من وطنهم ما كان في العقل اليهودي إلا لمقابل سياسي معاصر.
انتماء عربي وإسلامي
أما في الباب الثاني من الكتاب فيسرد المؤلف الشواهد على انتماء فلسطين إلى العرب والمسلمين، مؤكدا أن القدس وفلسطين (الأرض المقدسة) هي تاريخيا ذات انتماء واحد لا صلة لليهود به من قريب ولا من بعيد هو انتماء إلى العروبة والإسلام.
وبعد أن أوضح الكاتب في الباب الأول رؤية أقطاب المنهج التوراتي لفلسطين القديمة ورؤيتهم المساهمة في الصراع على فلسطين الحديثة، يستعرض الكاتب في هذا الباب حقيقة الماضي الفلسطيني.
ويؤكد أن مدينة القدس إسلامية الجذور، لأن البيت الحرام بني في عهد آدم، وأن الأقصى بني بعد البيت بأربعين عاما، وهذا يعني أن الأقصى وجد في عهد آدم أو بعده بقليل جدا من الزمان الطويل.
وبالتالي فإن القدس إسلامية الجذور، وأن بؤرة القدس وجودا ومصدر الخير فيه إنما هو الأقصى الذي بني قبل أن يخطر ببال أحد من البشر أن ثمة قوما اسمهم بنو إسرائيل.
ويتطرق المؤلف هنا أيضا إلى عروبة النشوء الفلسطيني، والأحقية العربية في فلسطين، فهو ينتهي من خلال استعراضه لكثير من الشواهد إلى أن فلسطين عربية المنشأ ولا تعرف في تاريخها القديم شيئا اسمه اليهود أو بنو إسرائيل.
وأكد أن الجزيرة العربية هي منشأ الشعوب العربية، وبالتالي فإن المهاجرين منها الذين أطلق عليهم لقب الساميين هم عرب لغة ونشأة ومهدا، والقدس أيضا عربية المنشأ ولم يعرف شعب أقدم من العرب سكن القدس وفلسطين، ولن يجد من يخالف عروبة منشئها دليلا يسعفه من علم الآثار، أو من علم التاريخ اللذين يؤكدان عروبة هذا المنشأ.
ويثبت الكاتب أسبقية الوجود العربي على الوجود اليهودي وأقدمية نشوء القدس على الوجود اليهودي نفسه، موضحا أن الوجود اليهودي في فلسطين لا يمثل إذا ما قورن بالوجود العربي الأصيل فيها إلا لحظة عابرة، مقابل الوجود العربي والعربي الإسلامي الذي استطاع فعلا أن يشكل وجه فلسطين.
وبالتالي فإن من لم يمكث في بلد سوى لحظة من الحياة المديدة لا يحق له أن يطالب بسببها بملكيته، إن سلم له بهذه اللحظة.
وفي استعراضه لعروبة سكان فلسطين قبل تحرير الإسلام لها، يوضح أن العنصر العربي هو الذي كان منتشرا قبل الإسلام، وأن الإسلام هو الذي قدم إلى فلسطين بتعبير روجيه جارودي لا العرب، ذلك أن العرب كانوا موجودين أصلا، كما تؤكد الآثار.
أما عن سكان فلسطين المعاصرين فيقول إن الكشف عن الطابع السكاني هو ذاته كشف عن الانتماء في أي بلد من البلاد! وبما أن الحاضر هو ابن الماضي وإن كان ماضي فلسطين عربيا وإسلاميا فيجب أن يكون حاضرها كذلك عربيا وإسلاميا، ولن يستطيعوا بالتالي حسم الحاضر والمستقبل لصالحهم أيضا.
دور علم الآثار
في الباب الثالث من الكتاب يتحدث مؤلفه عن علم الآثار وفلسطين القديمة بين الانحياز والموضوعية، مشيرا إلى أن كشوفات هذا العلم أقلقت اليهود بعد أن ظنوا أنه لن يقول إلا ما يملى عليه من قبلهم.
ويتطرق المؤلف إلى تحيز جماعة علماء الآثار لتأكيد الروايات والأخبار التوراتية التي تجعل لليهود في فلسطين وجودا قديما يبرر لهم اغتصابها حديثا، بهدف إخضاع العلم للرؤى المسبقة وليس الخضوع للعلم، موضحا أن المشكلة ليست في علم الآثار ذاته بل في من يخفون ما تقذفه الأرض إن كان يخالف وجهتهم.
وكمثال للتحيز يذكر صندوق استكشاف فلسطين الذي لا يقتصر على اليهود فحسب، وإنما معهم أبعاد دينية بروتستانية واستعمارية عامة.
وأشار إلى من يتخذون السراب حجة وبرهانا، إذ لم يجد الباحثون التوراتيون عموما وعلماء الآثار التوراتية خصوصا شيئا يدل على مصداقية طروحاتهم، فأخذوا من جانب يزورون ومن جانب آخر يتسرعون لتجيير ما ليس لهم ليبدو كما لو كان لهم.
في المقابل لا ينسى المؤلف من الأثريين اليهود والغربيين أولئك الذين لم يلوثوا أنفسهم بالتحيز وتزوير الدعاوى اليهودية، وقاموا بكشف أغاليط وألاعيب علماء الآثار المنحازين بدوافع أيديولوجية وسياسية.
ويسرد الباحث نتائج الحفريات الأثرية عموما، موضحا أن نتائجها وخصوصا في مدينة القدس التي ابتدأت منذ ستينيات القرن التاسع عشر إلى الآن لم تكتشف شيئا مما يقوله الإسرائيليون، بل العكس.
عروبة اللغة والأسماء
خصص الباحث الباب الرابع من كتابه للحديث عن عروبة فلسطين في لغتها وأسمائها اللذين يشكلان كاشفا حقيقيا عن انتماء الماضي الفلسطيني، مؤكدا أن فلسطين عربية في لغتها، لأن العربية أول المعروف في فلسطين القديمة وهي اللغة التي تكلمها الساميون القدماء.
وعن عروبة فلسطين في أسمائها يؤكد أن من أدلة هذه العروبة ما تمتعت به فلسطين عبر التاريخ وتسميات انبثقت من المخزون الفكري أو اللغوي للأقوام العرب الذين سكنوها في قديم الزمان.
وحول عروبة أسماء القدس منذ القدم، يوضح أن الراجح لدى كثير من المؤرخين هو أن الاسم مركب من كلمتين هما يورو بمعنى مدينة وشاليم اسم إله كان الكنعانيون يعبدونه وهذا اسم عربي أصيل وليس عبريا.
دعاوى الوعد والحق
يضع المؤلف في الباب الخامس من كتابه دعاوى الوعد الديني والحق التاريخي اليهودي في الميزان، مشيرا إلى أسطورتين من الأساطير اليهودية الصهيونية تشكلان معا أهم خادم ديني للنهج الاستعماري الغربي المؤسس لفكر وضرورة احتلال فلسطين.
وفي حديثه عن أسطورتي الوعد الديني والحق التاريخي يوضح أن تعبيرات كثيرة جاءت من الزعماء السياسيين اليهود تتناغم وهذه الأكذوبة، إذ حملت في ثناياها أن فلسطين هي أرضهم بناء على السابقة التاريخية أو بناء على الوعد الديني أو بناء عليهما معا.
وفي قراءته لنصوص التوراة التي تحمل فكرة الوعد، يوضح أن حاملة أسطورة الوعد بالأرض تتضمن كثيرا من التناقضات في داخلها ومع ما هو معروف لدى المؤمنين بالله سبحانه من صفاته كالصدق والرحمة والعدل.
وعن تأسيس الكتاب اليهود للحق التاريخي يشير المؤلف إلى أن من الكتاب اليهود المعاصرين أمثال رئيس حزب اليكود بنيامين نتنياهو من يصور الوجود اليهودي في فلسطين بأنه وجود أقلية قليلة بعد أن طرد العرب اليهود منها، وكأنه يؤسس لطرد العرب من فلسطين لينالوا عقابهم على عملهم.
وينتهي في هذا الفصل إلى أن اليهود المعاصرين ليسوا بني إسرائيل، موضحا أنه إن كان ثمة حق فهو لبني يعقوب، ويهود اليوم ليسوا منهم.
الرؤية الإسلامية للحق
يضع المؤلف في الباب السادس ما أسماه أسطورتي الوعد بالأرض والحق فيها تحت المجهر الإسلامي، إذ يشير إلى أن فكرة الوعد بالأرض تتضمن ضرورة التحكم في الأعراض والأعناق والأرزاق والهيمنة على البشر.
ومفاهيم العدل والخير والحق ليست بالضرورة ذات صلة بنسب من الأنساب وإنما لها صلة ضرورية بالمنهاج الرباني المنبثق عن كتاب الله.
وعن الرؤية الإسلامية لفكرة الحق التاريخي، يؤكد أن دعوى الحق التاريخي ليست مجردة بل تتضمن الحق في الحكم في هذه الأرض، ومن جرب نفسه وجربته الأمم قديما وحديثا، فرأته منتهكا للحرمات فإنه يفقد هذا الحق إن كان قد ناله في يوم من الأيام.
التوراة والتاريخ
في الباب السابع الأخير "التوراة كمصدر للتاريخ" ينتهي الكاتب إلى أن التوراة لا تصلح أن تكون مرجعا للتاريخ بعد أن أظهرت دراسات القرنين الأخيرين ما يمنع من الاستناد عليها في إثبات أو نفي حدث تاريخي.
ويرى أن كتابا امتلأ بالأساطير والخرافات وكونت مضامينه ثقافات الأمم ورحل رحلة طويلة بين ضياع نصه وعراقيل تدوينه، حري به ألا يدخل نفسه في التاريخ، خاصة أنه كتاب لا تعرف له صلة بنبي ولا وحي.
وأشار الكاتب إلى طول الأمد بين نزول التوراة وتدوينها، وتعرض نصوصها لنقد داخلي وخارجي وحرج شديد أوقعها فيه علماء الآثار، منتهيا إلى أن التوراة لا تصلح كمصدر تاريخي، إذ إنها لم تستطع أن تثبت نسبتها إلى السماء ولا إلى الأنبياء.
خلاصة
وفي الخلاصة يصل إلى أن الأقصى ودعوة الهيكل المزعوم لم تزل حاضرة تستقطب الشواهد، وغاصت الأحافير حتى كادت تهوي بجدران الأقصى المبارك على الأرض، لكنها لم تقل إلا شيئا واحدا: إن ما تدعيه الصهيونية زور وبهتان فلا هيكل بل لا شيء سوى مسجد عرفه الماضي والحاضر أما الهيكل فلم يفز بشاهد.
وأردف أن التوراة الحالية المزورة هي المتهم الأول في عمليات سلب الأرض وقتل السكان وطرد الشعب، وهي المتهم الأول في عمليات تزوير كثير مما قيل إنه حدث في التاريخ.
كما أن اليهود في حقيقة الأمر ليسوا سوى أدوات في المشروع الغربي الاستعماري القائم على القوة المنفصلة عن الحق.
المصدر:
الجزيرة
[color:e5f9=red:e5f9]