فكرة
قلنا من قبل بأن ماترك لنا الإنسان القديم من رسومات وزخرفات ونحتيات صخرية كانت بمثابة سجل أمين ترجمت سيرته الذاتية بلغة تقنية لا حابة بها الى مترجم لغوي فلغة الفن هي لغة حضارية أزلية وهي تلك اللغة العالمية التي تفهمها كل المجتمعات عبر كل الأجيال دونما حاجة الى وسيط يشرح أو يفسر, اللهم إن لم تكن قد احتوت على أحرف لغوية كتابية وهي موضوع مستقل عن موضوع اليوم , وفي المحصلة الآثار في أي مكان وجدت فيه قفد أشارت الى مستوى ثقافة تلك الأمة ودرجة ترتيبها الحضاري الذي كانت قد وصلت إليه وذلك حسب الفترة الزمنية التي كانت قد شغلتها عبر التاريخ القديم , فكما للفراعنة آثارهم التي دلت على مكان وجودهم من ناحية ومستوى ثقافتهم و طريقة عيشهم كذلك كانت آثار الفينيقيين والآراميين والأكاديين و مجموع حضارات بابل , بل كل أثر تاريخي أينما وجد كان يعبر عن واقع كانت قد عاشته أمة ما في مكان ما وكل نوع من الآثار يعبر عن خصوصية تلك الأمة التي تركته وحالتها وأحوالها .
والسؤال اليوم, ماترتيب دور الأصنام وهل تعتبر من الآثار ؟
مبدئيا لاتعتبر الأصنام من الآثار فعليا لأنها لا تحمل كل صفات الآثار , فالأصنام لا تعبر عن واقع حياة كانت موجودة بالفعل وعاشتها أمة من الأمم أو طريقة عيش مارستها أو مستوى حضاري وصلت إليه, إنما هي عبارة عن أشكال تخيلية لآلهة غير موجودة سوى في أوهام أصحابها اللذين أرادوا أن يجسدوها واقعا حسب ما أملت عليهم أوهامهم ,تبعا لحالة ضياع وخواء روحي وتعويضا لشعور مبهم بالحاجة الى التعبد, لذلك فان الأصنام كانت تظهر في طبقة الأشراف وعلية القوم نتيجة الترف وهي من مكملات حياة تلك الطبقات وكانت تقوم على إيجادها وحراستها القبائل الكبيرة ولم يروي لنا التاريخ أن من أصابهم شظف العيش كانوا قد لجئوا يوما الى هكذا عبادات والتاريخ يشهد منذ زمن نوح عليه السلام أن المؤمنين بدعوته كانوا من فقراء الناس وكان أغنياء القوم في زمن نوح عليه السلام قد اشترطوا عليه أن يطرد من حوله فقراء الناس أولئك ومن نبذهم الأغنياء من طبقة العبيد والخدم من أجل أن يؤمنوا به وهكذا دأب هذا الصنف من البشر من الفقراء يهربون من ظلم أخيهم الإنسان وكانت تبدوا لبصائرهم على الرغم من همومهم اليومية تلك الحقيقة الجلية التي تتحدث عن العدالة وعدم حق أحد في أن يظلم أحد آخر مع كل نبي الى أن جاء رسولنا الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم وهو خاتم النبيين فوضع حدا نهائيا لما كان يعانيه الناس من الناس .
ومن الناحية الفنية فان الأصنام لا تنتمي الى صنف الفن لأنها تصنع بقصد مسبق من أجل أن تأخذ شكلا مشابها للشكل الأصلي وبالتالي هي خالية من الإبداع الفني مادام يتم تصنيعها دون أن يسمح بإضافة أي جديد من أجل إتمام شبهها بالشكل الذي وجدت فيه أول مرة , ووجود الأصنام من ناحية أخرى يدل على إغفاءة أمة واستراحتها ووقوفها عن مسيرة التقدم مع نظيراتها من الأمم, ومن أجل ألا يتهمنا أحد بالمغالاة يجب أن نفرق بين الحضارة التي أنتجت أعمالا مجسمة من أجل الفن والأمة التي أنتجت مثل تلك الأعمال من أجل العبادة وهي ما قصدناه من الإشارة إليه.
تلك بعض خصوصيات الأصنام , أما اذا أردنا أن نتكلم عن خصوصيات عابد الأصنام فانا نراه لا يلتزم بصنم يعبده وهذا أمر طبيعي يتميز به عابد الصنم , هو يبدل أصنامه بعدما يصاب بحالة يأس وخيبة المرة تلوى الأخرى فهناك أصنام تمثل اله الشمس واله القمر واله الخير واله الشر وما الى ذلك, وكان صنم "مناة" من أقدم أصنام أهل الجاهلية وكما ورد في سيرة ابن هشام كان هذا الصنم منصوبا على ساحل البحر من جهة "مشلل" بقديد بين مكة والمدينة,ولم يكن أحد أشد تعظيما له من الأوس والخزرج ,ثم اتخذوا "اللات" في الطائف,وكان سدنتها ثقيف,وهي في موضع منارة مسجد الطائف,فلما أسلمت ثقيف بعث رسول الله صلى الله عيه وسلم المغيرة بن شعبة فهدمها وحرقها بالنار ثم عبدوا صنم "العزة" وهي بوادي نخلة وكانت قريش تعظمها, بعد فتح مكة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فهدمها, وكان صنم "هبل" لقريش وكان موجودا في جوف الكعبة وكان من عقيق أحمر على صورة إنسان وكان صنم"ذو الخلصة" بين مكة والمدينة هدمه بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير بن عبدا لله البجلي,فقاتلته همدان فتغلب عليهم وهدمه, وكان لقبيلة خولان صنم اسمه "عم أنس" وكان لقضاعة ولخم وجذام وعاملة وغطفان صنم في مشارف الشام وكان لأهل كل واد بمكة صنم إذا أراد أحدهم سفرا كان آخر ما يصنع في منزله أن يتمسح به, وكانت العرب قد اتخذت مع الكعبة طواغيت . وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة . ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة: وجد حول البيت ثلاثمائة وستين صنما هدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول "جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا " أما قريش فكانت تقول" أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب
عبدالله ميليش