عبدالله ميليش
عدد الرسائل : 21 تاريخ التسجيل : 13/04/2007
| موضوع: الترجمة الصخرية الذاتية الأحد يونيو 17, 2007 8:46 pm | |
| فكرة
لقد استطاع الإنسان القديم أن يترجم لنا صورا واضحة عنه شخصيا وعن طريقته في العيش التي كان يحياها,وإحدى تلك الصور تتحدث عن ممارسته "للصيد" ولكن ليس كهواية كما نسميها أحيانا اليوم بل لحاجة من أجل البقاء حينما كان يطعم نفسه ومن أجل البقاء مرة أخرى حينما كان يدافع عن نفسه ضد المخلوقات المتوحشة, وفي مرحلة لاحقة استطاع أن يصور لنا الأحداث التي عاشها من خلال ماترك من آثار نحتية على جدران الكهوف التي كان يعيش داخلها , أو جدران المعابد التي كان يرتادها حين كان يؤدي طقوس عبادته,أما الأهرامات وما حوت من نفائس الآثار قد يصح أن نطلق عليها اسم "مستودعات للآثار" أو قد تمثل ما نسميه بلغة اليوم متاحف أثرية لأن هناك غرابة في البناء ومدهشات في المحتويات,و يمكننا القول إن مقدرة الإنسان القديم في تصوير جوانب حياته تلك بهذه الروعة تدلنا بلاشك على مدى صدقه في التعبير وجديته في العمل,ومقدرته على إدراك واقعه إدراكا كاملا ومسئولا فكان اجتهاده في تصوير كافة جوانب حياته مدهشا لنا في براعته ودقته دون أن يراود أحد منا أي شك ناتج عن التباس في صدق ما وصلنا من مخلفات تلك الحضارات الغابرة معبرة بوضوح عن مستوى الثقافة الحضارية التي كانت قد توصلت إليها كل أمة عبر الحقب التاريخية المتتابعة والتي ابتلع الزمان والمكان منفذيها وهي مازالت باقية حية وشامخة الى اليوم,ويجب ألا يغيب عنا بساطة تلك الأدوات التي كان قد استخدمها إنسان تلك العصور الغابرة إذ كان يصنعها بنفسه وتبقى الأدوات مساعد بسيط أمام عظمة تفكيره الثاقب إضافة الى جلده وصبره في انجاز الأعمال وأي أعمال نقصد ؟بالضبط هي تلك الأعمال الفنية و الانجازات النحتية والتصويرية والمجسمات على كثرة أنواعها واختلاف أوصافها التي عمل الإنسان القديم على إعدادها ولم يكن في كثير من الأحيان مضطرا للقيام بعملها بأكثر من محاولته التعبير عن تفاصيل حياته وطريقته في العيش والتي نسميها نحن ثقافة القوم, وهي في حقيقة الأمر لغة القوم عبر رسالاته النحتية"غير الكتابية" والتي أرادوا أن تكون رسالة مجتمعية إن صح التعبير,من كل واحد منهم الى كل واحد منا ومنهم جميعهم إلينا جميعنا ,كما استطاع الإنسان القديم أن يصور لنا مجموع جوانب حياته بتلك الدقة,عندما اكتمل لديه التصور عن واقعه المعاش,مستفيدا من الخبرات المتراكمة للأسلاف,وما يدلنا على استيعابه بشكل كامل لكافة مناحي حياته انه استخدم الألوان عندما أراد أن ينقل لنا مشاهداته للواقع الذي يحيا,بدا هذا جليا في الرسومات التي تركها الفراعنة على جدران الأهرامات. لقد وصلنا التاريخ بعد عصر الكتابة مضحكا أحيانا,فكان الراوي يدلي بما عنده على ذمته وينسخ الكاتب ما أملي عليه دون زيادة أو نقصان, وعندما صارت الكتابة مهنة تعود على صاحبها بالمال, كان الكاتب يدون كل ما يملى عليه مقابل عائد مادي لا يكلف نفسه عبئ التحقق أو الاستفسار غير مكترث بصحة الأحداث أو ترتيبها الزمني الى غير ذلك,حدثت هذه السقطات في عصور لم يكن الأفراد فيه بكل تلك الحاجة الماسة للمال,فماذا تريدون منا أن نقول اليوم لمن يدعوا لإعادة كتابة التاريخ العربي أو الإسلامي أو إعادة كتابة السيرة النبوية,والمادة تشري إلا من رحم ربك من الناس فضلا عما تولد الأحداث من غائية وأهداف وهمية لذلك قد يكون من الجائز في هذه الحالة أن نترحم على عصر النحت كمصدر من أصدق السجلات التاريخية وأثبتها صدقا وجدية في ترجمة الواقع بأمانة نادرة, واستطاع الإنسان القديم أن يجسد عمليا ذلك المثل المشهور"العلم في الصغر كالنقش على الحجر" فالنحت أو النقش على الحجر باق الى أبد الآبدين,وعندما أدرك الإنسان القديم مغزى هذه الحكمة وهو كان مازال يعيش سن الطفولة من أعمار الشعوب,ترك لنا آثارا وشواهد تروي لنا حكايتهم مع الحياة بأدق تفاصيلها,رغم مضي آلاف السنين على ولادتها,ولو ألقينا نظرة على ثقافة المجتمع الفرعوني لرأينا أن الحاكم الذي استمد قوته من إرغام الخدم والعبيد على إشادة الأبنية العظيمة دخل في رأسه أنه قادر على صنع أضخم الأبنية من خلال تسخيره البشر من أجل القيام بالأعمال المعجزة يموت من يموت ويحيا من يحيا لذلك سرعان ماغزا خياله داء الغرور والعظمة فطالب أفراد المجتمع أن يعبدوه,وما إساءة فرعون لشعبه بأقل من إساءة عرب الجاهلية لأنفسهم عندما صنعوا الأصنام ثم عبدوها,الأول هيئ الله له من صنع"بضم الصاد" من ماء وأتى على وجه الماء داخل صندوق ليربى في قصر مجاور للماء ثم عندما يشب و يلبس ثوب الفتوة يأخذ صاحب القصر الضال وما كاد يأخذه ثم وضعه في الماء ويتابع سبيله الى هدفه وهو يمشي على يابسة أو ظهر ماء,أما عرب الجاهلية فجاءهم من أبطل حجتهم ونحى أوهامهم وأفهمهم بلسان حالهم إن كنتم ولا بد عابدين للحجر فقبلوا هذه فإنها حجرة مقدسة,ولكن إياكم أن تسجدوا لها أو حتى لي أنا,بل السجود لخالقها وخالقي معكم,ذاك وأولئك أدخلوا رؤوسهم في فكرة ولم يستطيعوا أن يدخلوا الفكرة في رؤوسهم . عبدالله ميليش Mhlmilish1900@yahoo.com]
عدل سابقا من قبل عبدالله ميليش في الثلاثاء سبتمبر 06, 2011 11:33 am عدل 6 مرات | |
|
كاميلا
عدد الرسائل : 83 تاريخ التسجيل : 04/06/2007
| موضوع: رد: الترجمة الصخرية الذاتية الأربعاء يونيو 20, 2007 9:46 pm | |
| | |
|