عدد الرسائل : 13 العمر : 56 تاريخ التسجيل : 04/06/2007
موضوع: طريقة كتابة المقال الأحد يونيو 10, 2007 11:24 pm
المقالة : أولاً سوف نتحدث عن تعريفها و بعدها ننتقل إلى أهميتها و كيف أنها فن عصري ، بعدها نتحدث عن عناصرها و عناصر المقالة تتألف من المادة و الأسلوب و الخطة .
فالمادة هناك تعريف لها و هناك حديث عن شروطها ، و بعض الشواهد .
و الأسلوب فيه عناصر ثلاثة : الوضوح و القوة و الجمال .
و في الخطة مقدمة و عرض و خاتمة .
يا إخوتنا الطلاب و يا أعزاءنا المشاهدين :
جواب سؤال التعبير الأدبي في امتحان الشهادة الثانوية يشبه أن يكون مقالة أدبية متواضعة لشاب مغمور هو أنت أيها الطالب ، لذلك فقرات هذا الدرس و هذا اللقاء هي نفسها فقرات أصول كتابة موضوع في التعبير الأدبي ، الحديث عن فن المقالة عن تعريفها و عن مقوماتها هو حديث يشبه الحديث عن أصول كتابة مقالة أدبية أي جواب سؤال التعبير في الامتحان .
فالمقالة كما يعرفها إدموند جونسون و لنخرج قليلاً عن تعريف الكتاب: المقالة كما يعرفها إدموند جونسون فن من الفنون الأدبية و هي قطعة إنشائية ذات طول معتدل تكتب نثراً و تلم بالمظاهر الخارجية للموضوع بطريقة سهلة سريعة و لا تعنى إلا بالناحية التي تمس الكاتب عن قرب .
هذا التعريف تعريف إدموند جونسون فماذا عن تعريف الكتاب المقرر؟
تعريف الكتاب المقرر المقالة قطعة من النثر معتدلة الطول تعالج موضوعاً ما معالجة سريعة من وجهة نظر كاتبها ، سوف أشرح لكم هذا التعريف بالتفصيل و سوف أقف عند الكلمات التي تحتها خط في هذا التعريف .
فكلمة تعالج موضوعاً ما هنا جاءت عامة هي موضوعاً ما ، في التعريف تعني أن المقالة من أكثر الفنون الأدبية استيعاباً و شمولاً لشتى الموضوعات ، فموضوعات كالتضخم النقدي و أساليب الإعلان و التخدير بالإبر لا يمكن أن تحملها أجنحة الشعر ، و لا حوادث القصة ، و لا حوار المسرحية ، و المقالة وحدها تتقبل مثل هذه الموضوعات و أية موضوعات أخرى ، و تجيد توضيحها و تحسن عرضها ، إذاً الفن الأدبي الذي يتسع لأي موضوع يخطر في خاطر كاتبه هو فن المقالة ، إذاً تعالج موضوعاً ما ، و لكن هذه المعالجة ليست معالجة متأنية كالبحث العلمي إنها معالجة سريعة ، فكلمة معالجة سريعة في التعريف تعني أن كاتب المقالة ما زاد عن أنه شجّر تأملات أو تصورات أو مشاهدات تغلب عليها العفوية و السرعة ، فلو كانت المعالجة متأنية إذ جُمعت الحقائق و محصت و صنفت و اعتمد على الإحصاء و التجربة و المتابعة لعدَّ هذا العمل بحثاً علمياً و ليس مقالة أدبية ، فلو قرأت في مجلة علمية أن طيور البلاكبورد تطير في الخريف إلى شاطئ المحيط الأطلسي و من هناك تقوم برحلة جوية لا تصدق ، ما هي هذه الرحلة ؟ تقوم برحلة جوية لا تصدق فوق البحار في اتجاه أمريكا الجنوبية مجتازة مسافة أربعة آلاف كيلو متر بلا توقف خلال ست و ثمانين ساعة على ارتفاع يزيد عن ستة آلاف متر ، لو قرأت هذه الفقرة في مجلة علمية لعرفت أن هذه الأسطر قد كلفت العلماء سنوات طويلة من الملاحظة و المتابعة ، إذاً هذه الفقرة هي جزء من بحث علمي و ليس مقالة أدبية .
و أما كلمة من وجهة نظر كاتبها تعني أن المقالة تعبر عن ذات كاتبها أكثر مما تعبر عن موضوعها لأن كاتب المقالة يرى الأشياء من خلال ذاته و ما يعتمل فيها من مشاعر و انفعالات ، استمعوا معي إلى مي زيادة تتحدث عن طائرها :
و الآن ننتقل إلى الفقرة الثانية من المخطط و هي أهمية المقالة ، و إذا شئت أن ألخص لكم كل ما سوف أقوله عن أهمية المقالة فالمقالة فن عصري .
يا إخوتنا المشاهدين و يا طلابنا الأعزاء :
كتب على غلاف إحدى المجلات ذات الطبعات الدولية كُتب هكذا : أكثر من مائة مليون يقرؤون هذه المجلة في مائة و ثمانين بلداً في العالم و بخمسة عشر لغة ، فما سر هذا الإقبال الشديد على مطالعة المقالات المنوعة في الصحف و المجلات ، في كل أقطار العالم ؟
إن السر يكمن في طبيعة العصر و طبيعة حياة الإنسان في هذا العصر، في هذا العصر التي طغت فيه المادة على القيم ، و نما العقل على حساب القلب ، و تعقدت أنماط الحياة ، و كثرت متطلباتها ، و استهلك كسب الرزق معظم الوقت ، و اختصر كل شيء حتى اختصرت الشهور في ساعات ، و السنون في أيام ، و ظهرت الحاجة ملحة إلى مطالعات سريعة خفيفة ، فتطلع الناس إلى الصحف و المجلات و استهوتهم الكتيبات و الدوريات و كأن الناس أرادوا أن يختصروا البحر في قارورة و البستان في باقة و ضياء الشمس في بارقة و هزيم الرعد في أغرودة ، و بحثوا عن فن أدبي يدور معهم أينما داروا و يرافقهم حيثما ساروا ، و يكون معهم في حلهم و ترحالهم و أحزانهم و أفراحهم ، في لهوهم و جدهم ، يعبر عن نشاطهم العقلي و عن اضطرابهم النفسي ، لذلك اختصرت الكتب في مقالات فجاءت بلسماً شافياً لمرض العصر و دواء لضيق الوقت فكانت المقالة من أوسع الفنون الأدبية انتشاراً لأنها أقلها تعقيداً و أشدها وضوحاً و أكثرها استيعاباً لشتى الموضوعات و أيسرها مؤونة على الكاتب و أسهلها هضماً على القارئ ، هذه هي الأسباب التي جعلت من المقالة من أوسع الفنون الأدبية انتشاراً و من أكثرها تلبية لحاجات العصر و لحاجات الإنسان العصري الذي يعيشها .
و الآن ننتقل إلى العنصر الثالث من عناصر الخطة و هي عناصر المقالة ، و عناصر المقالة كما شاهدتم قبل قليل هي المادة و الأسلوب و الخطة .
فالمادة هي مجموعة الأفكار ـ الآن تعريفها ـ و الآراء و الحقائق و المعارف و النظريات و التأملات و التصورات و المشاهدات و التجارب و الأحاسيس و المشاعر و الخبرات التي تنطوي عليها المقالة ، تنوع التعريف بتنوع الموضوعات ، و هذا عن تعريف مادة المقالة فماذا عن شروطها ؟
الآن شروط المقالة : يجب أن تكون المادة واضحة لا لبس فيها و لا غموض ، و أن تكون بعيدة عن التناقض بين المقدمات و النتائج ، فيها من العمق ما يجتذب القارئ و فيها من التركيز ما لا يجعل من قراءتها هدراً للوقت ، و فيها وفاء بالغرض بحيث لا يصاب قارئها بخيبة أمل ، و أن يكون فيها من الطرافة و الجدة بحيث تبتعد عن الهزيل من الرأي، و الشائع من المعرفة ، و السوقي من الفكر ، و فيها من الإمتاع بحيث تكون مطالعتها ترويحاً للنفس أكثر مما تكون عبئاً عليها ، أن تكون المادة واضحة و صحيحة و عميقة و مركزة و وافية للغرض طريفة و ممتعة هذه شروط المادة في المقالة حتى تكون مادة قيمة يقبل عليها القارئ بنهم و شغف .
يقول أحد الكتاب إن مهمة الكاتب ليست في إضعاف النفوس بل في تحريك الرؤوس و كل كاتب لا يثير في الناس رأياً أو فكراً أو مغزى يدفعهم إلى التطور أو النهوض أو السمو على أنفسهم و لا يحرك فيهم غير المشاعر السطحية العابثة و لا يقر فيهم غير الاطمئنان الرخيص و لا يوحي إلا بالإحساس المبتذل و لا يمنحهم غير الراحة الفارغة و لا يغمرهم إلا في التسلية و الملذات السخيفة التي لا تكون فيهم شخصية و لا تثقف فيهم ذهناً و لا تربي فيهم رأياً لهو كاتب يقضي على نمو الشعب و تطور المجتمع هذه الكلمة لأحد الكتّاب يتحدث فيها عن مهمة الكاتب في مضمون المقالة أي في مادتها ، يجب أن تحرك الرؤوس لا أن تضعف النفوس ، يجب أن تثير المثل العليا لا الغرائز السفلى .
و العنصر الثاني في فن المقالة هو الأسلوب : و الأسلوب قبل أن نتحدث عن شروط الأسلوب ، الأسلوب في التعريف هو الصياغة اللغوية و الأدبية لمادة المقالة أو هو القالب الأدبي الذي تصب فيه أفكارها ، و مع أن الكتّاب تختلف أساليبهم بحسب تنوع ثقافتهم و تباين أمزجتهم و تعدد طرائق تفكيرهم و تفاوتهم في قدراتهم التعبيرية و أساليبهم التصويرية و مع ذلك فلا بد من حد أدنى من الخصائص الأسلوبية حتى يصح انتماء المقالة إلى فنون الأدب .
لابد في أسلوب المقالة من الوضوح ، الوضوح كما شاهدتم في المخطط ، الوضوح لقصد الإفهام ، و القوة لقصد التأثير ، و الجمال لقصد الإمتاع ، لابد من الفهم ، و لابد من التأثر ، و لابد من الاستمتاع، فكل شرط من شروط الأسلوب يحقق غرضاً من أغراض الأسلوب ، الوضوح للفهم ، و القوة للتأثير ، و الجمال للإمتاع ، فماذا عن الوضوح وضوح الأسلوب في المقالة ؟ لابد في أسلوب المقالة من الوضوح بقصد الإفهام ، فالوضوح في التفكير أساس الوضوح في التعبير هذه حقيقة مسلم بها ، الوضوح في التفكير أساس الوضوح في التعبير ، مادامت الأفكار واضحة وضوحاً جداً في ذهن الكاتب فلابد أن تأتي أفكاره و أساليبه واضحة كذلك ، و معرفة الفروق الدقيقة بين المترادفات ثم استعمال الكلمة ذات المعنى الدقيق في مكانها المناسب فكلمة لمح كما تشاهدون و لاح و حدج و حدق و حملق و شخص و رنا و استشف و استشرف كل هذه الكلمات تعني النظر، و لكن لكل كلمة معنى دقيقاً جداً يتحدث عن حالة من حالات النظر ، فلمح شيء ظهر ، إنسان نظر ثم أعرض ، بينما لاح شيء ظهر و اختفى ، و أما حدج فهو الحديث و المستمع ممتلئ بالمحبة ، و أما حدق حينما تكبر حدقة العين فهذا هو التحديق ، و أما حملق حينما يظهر حملاق العين و هو باطن الجفن فهذا معنى كلمة حملق ، و أما شخص مع الخوف ، و أما رنا نظر مع السرور، بينما استشف نظر مع التفحص بالأصابع ، و استشرف نظر مع التمطي في الأرجل ، فإذا عرف الكاتب المعاني الدقيقة جداً للكلمات أمكنه أن يستخدمها في مكانها الصحيح و بهذا يسهم استخدام الكلمة بالمعنى الدقيق في توضيح المعنى ، المعنى الواضح يسهم في توضيح الأسلوب و معرفة الفروق الدقيقة بين المترادفات تسهم أيضاً في توضيح الأسلوب و في ذلك معرفة العلاقات في التراكيب و تحديدها تحديداً دقيقاً و عدم الوقوع في اللبس أي احتمال تركيب معنيين في وقت واحد هذا يسهم أيضاً في توضيح أسلوب المقالة .
فالعبارة يسمح مثلاً لو قال أحدهم يسمح ببيع العلف لفلان ، قد يفهم من هذه العبارة أنها سخرية أو استهزاء أو تقريع فكأن فلان حيوان ، بينما يقال يسمح لفلان ببيع العلف فهذه عبارة واضحة محددة ، لا يمكن أن تحتمل معنى آخر ما أراده الكاتب ، فتحديد المعنى من قبل الكاتب عن طريق دقة الصياغة هو الذي يسهم أيضاً في وضوح الأسلوب في المقالة .
كما أن الإكثار من الطباق يزيد المعنى وضوحاً و قديماً قالوا بضدها تتميز الأشياء ، و كذلك المقابلة و المقابلة كما تعرفون تشابك طباقين أو أكثر ، فالمطابقة كالحر و القر ، و الجود و الشح ، و الطيش و الحلم ، إيراد المعاني المتعاكسة في النص من شأنه أن يوضح المعنى توضيحاً جيداً ، أما استخدام الصور بعامة و الصور البيانية بخاصة فهو شيء أساسي في توضيح أسلوب المقالة ، مثال ذلك ، يقول أحد الكتاب معرفاً الأدب : الأدب اليوم عصا بيد الإنسانية بها تسير لا مروداً تكحل به عينيها شبه الأدب بالعصا التي تستعين الإنسانية بها و ليست مروداً و المرود هو ميل الكحل ، ليست مروداً تكحل به عينيها و هو نور براق يفتح الأبصار ، و ليس حلية بديعة ساكنة فوق الصدور .
و الآن ننتقل إلى العنصر الثاني في الأسلوب و هو القوة ، قوة الأسلوب تعني أن هذا الأسلوب شديد التأثير فإذا كان وضوح الأسلوب يحدث عند القارئ قناعة فإن قوة الأسلوب قد تحدث عند القارئ موقفاً ، و الموقف هو أن تقف باتجاه هدف معين و تتحرك نحوه ، إذا كانت العبارات الواضحة تُحدث قناعة فإن قوة الأسلوب تُحدث موقفاً عند القارئ ، و تأتي قوة الأسلوب من حيوية الأفكار و دقتها ، و متانة الجمل و روعتها ، و كذلك تسهم في قوة الأسلوب الكلمات الموحية و العبارات الغنية و الصور الرائعة و التقديم و التأخير و الإيجاز و الإطناب و الخبر و الإنشاء و التأكيد و الإسناد و الفصل و الوصل و كل هذه الكلمات عنوانات لموضوعات مرت بكم في البلاغة و لاسيما في علم المعاني ، مثال ذلك: إذا أردنا أن نعيش سعداء حقاً فما علينا إلا أن نراقب القمح في نموه و الأزهار في تفتحها و نستنشق النسيم العليل و لنقرأ و لنفكر و لنشارك تايلر في إحساسه إذ يقول سلبني اللصوص ما سلبوا و لكنهم تركوا لي الشمس مشرقة و القمر منيراً و المياه الفضية الأدين و زوجة مخلصة تسهر على مصالحي و تربية أطفالي و رفقاء يشدون أزري و يأخذون بيدي في كربي فماذا سلبني اللصوص بعد ذلك؟ لاشيء فها هو ثغري باسم و قلبي ضاحك و ضميري نقي طاهر .
و أما الجمال في الأسلوب و هو العنصر الثالث في الأسلوب الجمال من أجل الإمتاع فهو شيء أساسي أيضاً في الأسلوب حينما يملك الكاتب الذوق الأدبي المرهف و الأذن الموسيقية و القدرات البيانية يستطيع عندئذ أن يتحاشى الكلمات الخشنة و الجمل المتنافرة و الجرس الرتيب ، و حينما يواءم بين الألفاظ و المعاني و يستوحي من خياله الصور المعبرة يكون أسلوبه جميلاً ، لأضرب لكم مثالاً : يقول أحد الكتاب البرج العاجي الخلقي هو السمو عن المطامع المادية و المآرب الشخصية فليس من حق مفكر اليوم أن ينأى بفكره عن معضلات زمانه و لكن من واجبه أن ينأى بخلقه عن مباذل عصره و سقطاته، البرج العاجي عندي هو الصفاء الفكري و النقاء الخلقي و هو الصخرة التي ينبغي أن يعيش فوقها الكاتب ، مرتفعاً عن بحر الدنايا الذي يغمر أهل عصره لا خير عندي من المفكر الذي لا يعطي من شخصه مثلاً أعلى لكل شيء نبيل رفيع جميل .
و أما العنصر الأخير في المقالة فهو الخطة ، و الخطة كما سوف تعرفون مقدمة و عرض و خاتمة ، و يسميها بعضهم الأسلوب الخفيف و هي المنهج العقلي الذي تسير عليه المقالة ، فإذا اجتمعت للكاتب أفكار و آراء يريد بثها للقراء و كان له من الأسلوب ما يستطيع أن تشرق فيه معانيه وجب ألا يهجم على الموضوع من غير أن يهيء له الخطة التي يدفع في سبلها موضوعه ، و الخطة تتألف من مقدمة و عرض و خاتمة. فالمقدمة هي المدخل إلى الموضوع ، و تمهيد لعرض آراء الكاتب ، و يجب أن تكون أفكار مقدمته بديهية مسلماً بها و لا تحتاج إلى برهان و أن تكون شديدة الاتصال بالموضوع ، و أن تكون موجزة و مركزة و مشرقة ، و أما العرض فهو صلب الموضوع و هو الأصل في المقالة و فيه تعرض أفكار الكاتب عرضاً صحيحاً ، وافياً متوازناً مترابطاً متسلسلاً و يستحسن أن يمثل الكاتب لكل فكرة و يربطها بسابقتها و يذكر أهميتها و يشرحها و يعللها و يوازنها مع غيرها و يذكر أصلها و تطورها و يدعمها بشاهد أدبي أو تاريخي .
هذه طريقة عرض الأفكار و يفضل أن تعرض كل فكرة رئيسة في فقرة خاصة ، و في الخاتمة تلخص النتائج التي توصل إليها الكاتب في العرض و يجب أن تكون واضحة صريحة حازمة .
إخوتي المشاهدين :
أرجو لكم التوفيق و النجاح في شتى الميادين و إلى لقاء آخر و السلام عليكم .