وجئت أصلى
مع المسجد الأقصى بعد حريقه الآثم!
21 أغسطس سنة 1969
وجئت أصلى
.. ورغم اندلاع الدجى كالبراكين حولى،
ورغم الأعاصير ترمى خطاها بسفحى وجرحى،
وساحات هولى،
أتيت أصلى!
ورغم احتراق الدروب!
ونهش الخطوب، لحبات قلبى ورملى!
أتيت أصلى!
ورغم اندفاع الذئاب، على كل باب،
به حسرة من شرايين أهلى!
ورغم الشياطين تعوى بغيظى وشجوى
وبالنار تشوى وتكوى مزامير خطوى
ورغم الرزايا .. وتجوالها في خميلى وأيكى
وعشبى، وسهلى!
وليل المنايا على راحتيها
يزمزم كالجن خلف جنازات ثكلى:
دهست السدود
ودست القيود
وجزت المدود .. وجئت أصلى !!
.. وجئت أصلى،
وفجرت ذاتى لهيبا جديدا،
يمزق أغلال رقي وذلى..
وما كنت عبدًا
ولا ذقت قيدًا
ولكن صوتًا خفيًا من الله يلمى!!
إذا حدت عنه، تردى صباحى بليلى!
فلما تباعدت عنه،
دهانى بأشلاء حبلى!
وأغرى بى النار،
حتى رماها بوجهى .. وقد جئت يومًا أصلى!!
لا حيا .. جديد الحياة، جديد الصلاة، جديد التجلى
أراه بقلبى، أراه بدربى
أراه بكل المدارات حولى..
ورغم الظلام الذى ذقته من شرودى وميلى
نفضت الدجى عن وجودى ومزقت ويلى!
وكبرت لله .. قلبى يكبر
قبل اختلاجات قولى
وجئت له فوق نارى .. ومن كل نارى ..
أسلى !!
وجئت إلى أوله القبلتين
وبنت السماء التى ضمت النور بالساعدين
وبيت الضياء الذى رشه الله بالراحتين
ضياء وعطرا،
وقدسا وطهرا،
ووحيا يسبح في آيتين
وجئت،
وجاء بجنبى صوت الأذان
مع الصمت يصرخ: أين الأذان؟
وجاءت بكفى تكبيرتان
هما رحمة الله في كل آن..
وجاءت معى ركعتان، وجاءت معى سجدتان
وإيماءتان إلى الله مشدودتان
بجفنين للنور فوق المعارج تستطلعان...
... وجاءت معى ليلة
عانقت بها سدة العرش تسبيحتان
بها الله سلم ...
.. لا كف تبدو، ولا طيف شىء يسمى بنان!
وجبريل حاد لمسروجة
تقاصر عنها خيار الزمان!
ونور ينادى ...
ونور يلبى..
ونور يعانقه المشرقان!
ومن قاب قوسين
راحت تضىء، جبين السما هالتان!
وكاد الذى لا تراه العيون،
يراه "محمد" رؤيا عيان!!
... وجاءت معى من يد الأنبياء
مصابيح مبهورة في الضياء
.. وجاءت حروف الهدى، تستجير
وتلعن من مس قدس البناء!
.. وجاءت خطا "عمر"
والوجود على سيفها مستطير المضاء
.. وجاءت تزمجر دنيا "صلاح"
وتعصف مشدوهة في إباء
.. وجاءت لجالوت عين تطل
وتزور من هول هذا اللقاء...
... أتينا جميعًا نصلى ...
وما كاد يفتح للنور باب،
ويومض للخطو حزن التراب..
وقفنا .. وكادت خطانا تشل بأعتابه!
وكادت رؤانا تغل على بابه!
وكدنا نحس..
بأنا بأرض ضللنا إليها طريق الصلاة
وأنا اتجهنا إلى ساحة
لها نسب بفجور العصاه
وحاشا .. وحاشا .. لبيت الإله!
... وجدنا الصلاة .. بغايا من الشر ترقص فوق الحريق
وجدنا الأذان ..
شياطين لغو .. تهاتر بالإثم عبر الطريق
وجدنا المصلى ..
ميادين لهو، تحاصر فيها الخنا والفسوق
وجدنا الحمام الذى كان يصغى
لصوت الحواميم يخضر منه السكون العريق،
.. ويهدل بالطهر نشوان
يشرب من كل حرف، خشوع الرحيق
ذبيح الأمان
جريح المكان
يولول في صمته لا يفيق!1
.. وجدنا التراب الذى فيه صلى .. "محمد"
حريقا .. به لعنة الله ترغى، وتزبد!!
.. وجدنا المنابر ..
تحكى مجازر للطهر مخنوقة في العروق
.. وجدنا على صخرة الحق
.. ليلاً .. ينادى الشروق
ونارًا .. تشد يد النور
من قاع ليل عميق
وصوتا من الله ...
يزأر في كل ركن عتيق:
ولو هدمت كل تلك القباب!
وباتت مآذنها
أذرعا لطغاة الخراب!
سنمضى لمحرابها القدس جمعا نصلى
ولو غالنا الموت .. لم يبق أنفاس شيخ وطفل!
من الدم، والعظم نعلى ذراها
من الروح نرجع للأفق أعتى نداها ..
بيوم .. سيزحف بالقادسية
وبالغضب الحر في كل نفس أبية
وبالثأر .. وهو الصلاة الزكية
وصوت الإله إلى كل روح تقية
بها يعجل النصر .. جمع الصفوف
وإصرارها .. في صمود الوقوف
فهيا .. إلى الثأر .. من كل سفح وسهل
وهيا .. وهيا ..
على المسجد القدس .... جمعا نصلى!!